6 أساليب لغرس الصدق في أطفالنا
بقلم/ د. سمية حسام
مدربة وكاتبة
مستشارة تربوية وأسرية
somaia.hossam@gmail.com
الصدق هو إحدى الأخلاق الهامة التي ينبغي على الآباء والمربين الاهتمام بغرسها في الأطفال؛ لما للصدق من أهمية كبيرة؛ فعن عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا ” )متفق عليه(
والصدق هو صفة وسلوك مكتسب نتعلمه، كما أنه هو الخاصية الرئيسية والجوهرية في الخلق، والطفل الصغير مفطور على الخير وحبه، إلا أنه يحتاج إلى التوجيه والتربية وتعميق تلك الأخلاق الحسنة التي جبل عليها.. إذا كيف نغرس الصدق وننميه لدى أطفالنا؟
وفى السطور القادمة نستعرض الوسائل العملية لغرس خلق الصدق الذي نحب أن يتربى عليه أطفالنا الأعزاء :
- معاملة الطفل بالرفق والعطف:
عن أبى هريرة رضي الله عنه أن الأقرع بن حابس رضي الله عنه أبصر النبى -صلى الله عليه وسلم- يقبّل الحسن، فقال: “إن لي عشرةٌ من الولد ما قبّلت واحداً منهم”، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : “إنه من لا يَرحم، لا يُرحم”) متفق عليه).
إن ممارسات الوالدين الدالة على الحب والعطف لها تأثير كبير في نفسية الطفل تنعكس على سلوكه، ومنها تقبيل الطفل واحتضانه من آن إلى آخر : قبل نومه، عند عودته من المدرسة، عند عودة الوالدين من العمل أو من الخارج، وكذلك تغطيته عند نومه أو أن تقص له حكاية قبل النوم، والاهتمام به إذا تعثر أو مرض، الخروج واللعب معه، الاهتمام بإنجازاته الصغيرة والكبيرة وتشجيعه ومكافئته.. كما يمكن للوالدين أن يبتكرا أساليبهما الخاصة للمحبة، ولنعلم أن أبنائنا مهما كبروا فإنهم في حاجة إلى عطفنا وحناننا ولكن دون مبالغة.
وكذلك تجنب استخدام العقاب الشديد أو المتكرر فإن ذلك يؤدى إلى تنمية الكذب كوسيلة للدفاع عن النفس، وإنما الاعتماد على التقدير والثناء لكي يشعر الطفل بالأمان الكافي للاعتراف بأخطائه وسوء تصرفاته، وبالتالي يمكن توجيه وتعليمه السلوك الصحيح بطريقة مباشرة وإيجابية.
- كسب ثقة طفلك وتشجيعه على أن التحدث بكل ما يدور في نفسه:
إن الحوار المتبادل بين الطفل ووالديه باستمرار يمده بالثقة بالنفس والثقة بالوالدين وشعوره بقربهما منه؛ فقد تتسخ يداه أو ملابسه أو قد تتكسر بعض أدواته أو قد يكون لديه واجبات مدرسية ثقيلة، لكنه لا يجرؤ على البوح بذلك في غياب الحوار الدافئ، فيلجأ إلي التستر والإخفاء والكذب؛ لذلك فمن المهم إشعار الطفل دائما أنك في صفه وأنك تحب الاستماع إليه مهما كان ما فعله أو ما يقوله.
وهذه الثقة توفر للوالدين الفرصة للتعرف على مشكلات الطفل وأية بوادر للسلوك السيء أولا بأول، ومن ثم يتسني لهما معالجة ذلك والتعامل معه بحكمة وهدوء قبل أن تتفاقم المشكلة.
- توفير الحاجات الأساسية للطفل:
إن إشباع حاجات الطفل باعتدال وتوازن هو سبيله لأن يغدو شخصا واثقا بنفسه سعيدا ومتزنا وصادقا، حيث أن الحاجات النفسية هي أحد أهم الدوافع السلوكية في حياة الطفل، وتتمثل الحاجات الأساسية للطفل في: الحاجات المادية أو الفسيولوجية من طعام وشراب ومسكن صحي والحاجة إلى الراحة، والحاجة إلى الشعور بالأمان والاطمئنان؛ فقد يكذب الطفل حتى يشعر بالأمان ولا يتعرض للعقاب على سلوكه، لذلك فلابد أن يكون العقاب آخر وسيلة يلجأ إليها الوالدين، مع الابتعاد تماما عن العقاب البدني والنفسي المبرح.
ومن الحاجات كذلك الحاجات الاجتماعية من حب وصداقة وتعاون، والشعور بالانتماء؛ فمثلا كانت إحدى البنات تكذب حتى يحبها أصدقائها، لذلك فمن الضروري أن نعلم الطفل السلوكيات الإيجابية التي تمكنه من اكتساب الأطفال.
إضافة إلى الحاجة إلى احترام وتحقيق الذات، وقد اكتشفت إحدى الأمهات أن ابنها كان يحكي الكثير من القصص الخيالية حتى تهتم به وتثني عليه، فاشترت له العديد من القصص الرائعة وخاصة قصص الصحابة والبطولات، حتى يتعلمها و يحكيها فيقوي بذلك ثقته بنفسه ويحقق اعتباره لذاته.
- الصدق مع الأبناء:
“كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ” (الصف: آية 3).. احرصا أن تكون البيئة المحيطة بالطفل بيئة صالحة، الجميع فيها صادقون، يشكلون قدوة حسنة، ويصدقون مع أطفالهم. كذلك الالتزم بمعايير الصدق التي تضعاها، لأننا إذا كنا نحن الراشدون لا نجد حرجا في التحايل قليلا فيما يتعلق بالصدق، كأن تقول لطفلك أن يخبر من بالهاتف أنك غير موجود في حين أنك موجود ومستيقظ! فإنك بذلك تعطى للطفل نموذجا و مبررا للكذب فيتعلمه منك ويعممه على حياته كلها. كذلك لا تحاول المراوغة في المواقف غير السارة من مثل قولك للطفل بأن إبرة الطبيب لن تؤلمه، وإنما قل له أنها تؤلم قليلا ولكنك يا صغيري ستتحملها لأنك قوى وشجاع.
وهنا نقطة هامة وهى أن تفي بوعودك له؛ فإذا وعدته بأن تخرج معه أو أن تشترى له شيئا فافعل ولا تخلف أبدا، وإن اضطررت لذلك فوضح له الأسباب القوية وتأكد من أنه اقتنع بها.. وقد أخرج أبو داود عن عبد الله بن عامر قال : دعتني أمي يوما ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- قاعدا في بيتنا فقالت: ها تعال أعطيك. فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: “ما أردت أن تعطيه؟” قالت أعطيه تمرا، فقال لها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: “أما انك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة”.
- تصديق الطفل وتجنب اتهامه بمجرد الشك:
لا تنسب إلى الطفل عملا تشك في أنه اقترفه حتى تتيقن من أنه هو الفاعل، لأن اتهامه مع إمكانية براءته ولو بنسبة بسيطة يؤدى إلى إحساسه بالظلم والجور، بل ربما دفعه ذلك إلى الكذب ليتخلص من العقوبة الظالمة. وأيضا لا تكذبه فيما يروى بل صدقه، ويمكن أن تسأله: “هل أنت متأكد من هذه القصة يا صغيري؟” فيبدأ الولد بمراجعة نفسه. كما يمكنك أن تقول: “أرى أنها قصة رائعة، ولكن ألا ترى أنها خيالية”.
فوصف الطفل بالكذب يجعله يتعلق به ويستمر في كذبه، بل علينا أن نصفه بالصدق ونبحث عن الأسباب التي تجعله يلجأ للكذب واختلاق الذرائع، ونحاول حلها؛ وكذلك تعليم الطفل “الله يراني.. الله شاهدي.. الله مطلع علي”، لغرس العقيدة واستشعار مراقبة الله له في كل وقت.
- المكافأة والتشجيع:
إن نجح طفلك والتزم الصدق فالتشجيع الفوري والمكافأة ضرورية، سواء كان ذلك ماديا بهدية أو معنويا بكلمة ثناء أو قبلة، وكذلك إن اعترف الصغير بخطأ ارتكبه فأثبه بإزالة العقاب ومسامحته مهما كان الخطأ كبيرا وذلك أفضل؛ بذلك تتعلق في نفس الطفل أن الصدق منجاة، وأنه إن قال الصدق فإن ذلك سيخفف عنه العقاب أو يزيله؛ فالاعتراف بالخطأ فضيلة، فيحب الصدق ويتعود عليه.
كما يمكن للوالدين تزيين قول الصدق للطفل عن طريق شرح الآيات والأحاديث التي تتناول فضيلة الصدق وذم الكذب بأسلوب بسيط وجذاب، وكذلك عن طريق القصص والحكايات والأناشيد والألعاب المختلفة التي تشجعه على التعبير عن نفسه بصدق وسعادة.